نار الحرب أو جمرة المفاوضات: ايران والخيارات الصعبة
اخبار ومتابعات

نار الحرب أو جمرة المفاوضات: ايران والخيارات الصعبة

2025-06-23

نار الحرب أو جمرة التفاوض: إيران والخيارات الصعبة

تقدير موقف

د.ذكاء الربيعي

اختلال ميزان الردع

منذ منتصف يونيو ٢٠٢٥، دخلت الأزمة الإيرانية–الإسرائيلية–الأميركية مرحلة بالغة الحساسية. بدأت التطورات بعملية عسكرية إسرائيلية داخل طهران في 13 حزيران، تحت اسم "صعود الأسد"، أسفرت عن اغتيال شخصيات بارزة في الحرس الثوري ومؤسسة البحث النووي، في مقدمتهم الجنرال محمد باقري، وقادة أمثال حسين سلامي ومهدي رباني، إلى جانب خسائر نوعية على مستوى النخبة العلمية.

       في تطور دراماتيكي، وبعد أيام قليلة فقط، نفذت الولايات المتحدة ضربات جوية دقيقة استهدفت منشآت فوردو ونطنز وأصفهان النووية، عبر صواريخ مخصصة لاختراق التحصينات العميقة. هذه الضربات لم تكن مجرد رد عسكري، بل حملت رسالة سياسية واستراتيجية مفادها أنّ واشنطن لن تسمح لطهران باستعادة زمام المبادرة النووية، حتى ولو كانت تلك العودة تحت غطاء مدني.

 

إيران: حسابات الرد ومسارات التحوّل

لم تسارع القيادة الإيرانية إلى الرد الشامل، بل فضّلت تبنّي أسلوب "الرد المدروس". هذا النهج لم يخلُ من رسائل واضحة؛ فالمناورات الصاروخية التي تبعت القصف، والتهديدات المتصاعدة تجاه القواعد الأميركية، كلها حملت مضموناً مزدوجاً: الردع والتمهيد للمفاجآت.

ويرجّح المراقبون بأنّ طهران ستكون أمام خيارات استراتيجية خطيرة، أبرزها:

  1.  الرد العسكري المحدود: على رأسها ضرب قواعد أميركية في الخليج أو العراق، لتوجيه رسالة بأنّ الردّ لن يقتصر على الداخل بل سيمتد إلى مصالح واشنطن في المنطقة.
  2.  الرد غير المتناظر: من خلال شنّ هجمات سيبرانية معقدة على منشآت اقتصادية وبنى تحتية في إسرائيل وأميركا، بأسلوب الإنكار والردّ المجهول الهوية، وهي استراتيجية أثبتت طهران إتقانها في العقد الأخير.
  3.  الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي :(NPT)وهو خيار بات مطروحاً علناً لأول مرة في مجلس الأمن القومي الإيراني، كردّ على خرق واشنطن المادة السادسة من المعاهدة عبر قصف منشآت سلمية تخضع لإشراف دولي. هذا الخيار، إن نُفّذ، سيُحرر إيران من القيود المفروضة، ويمنحها هامش تطوير تقني نووي أكثر استقلالًا، رغم ما سيجلبه من عزلة دولية.
  4.  العودة إلى التفاوض بشروط جديدة: لا تزال أطراف أوروبية، أبرزها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، تسعى لخلق قناة تواصل جديدة بعد الضربة الأميركية، لكن طهران تضع ثلاثة شروط مبدئية: رفع الحظر النفطي جزئياً، تحقيق دولي في الضربات الأميركية، واعتراف بحق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية.

 

المعادلة النووية الجديدة: نقاط القوة والمحاذير

لطالما حافظت إيران على التزاماتها في إطار معاهدة حظر الانتشار النووي NPT رغم الضغوط، لكنها اليوم تواجه معادلة مغايرة. فاستهداف منشآت نووية مدنية بصواريخ أميركية، واغتيال علماء كانوا يعملون في نطاق الاستخدام السلمي للطاقة، يقدمان لطهران مبرراً قانونياً للانسحاب. التحول من عضوية "منضبطة" إلى وضع "اليد الحرة" في تطوير القدرات النووية قد لا يعني بالضرورة إنتاج سلاح نووي، لكنه حتماً سيمنح طهران ورقة ضغط استراتيجية كبرى.

ورغم ذلك هناك عواقب من الانسحاب، بعضها فيه نقاط قوة ومعه محاذير؛ نقاط القوة تشمل:

  1. أداة ردع نفسية: سترسل رسالة صريحة بأن إيران تخلّت عن سياسة "الضبابية النووية" واتجهت نحو امتلاك قنبلة نووية أو على الأقل القدرة عليها.
  2. ضغط سياسي كبير قد يضع الغرب -خصوصاً أوروبا- في موقف حرج بين دعم إسرائيل أو احتواء إيران بطرق دبلوماسية جديدة.
  3. يعزز أوراق إيران في الإقليم، خاصة تجاه خصومها الخليجيين.

 

لكن ما هي المحاذير؟ بحسب الكثير من الخبراء، يُرجّح أن تحتمل الآتي:

  1. مخاطر رد فعل عسكري غربي/إسرائيلي: فالانسحاب من الـNPT  قد يُتخذ ذريعة لعمل عسكري مباشر لتدمير المنشآت النووية.
  2. عزلة دولية شديدة: حتى الدول الصديقة مثل روسيا والصين قد تجد صعوبة في الدفاع عن طهران علناً في مجلس الأمن إذا انسحبت رسمياً من المعاهدة.
  3. تسريع سباق التسلح في الشرق الأوسط: السعودية وتركيا وربما مصر قد تبدأ مسارات نووية موازية

وعليه فإنّ السيناريوهات المحتملة: لما سبق فيما يخص الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، يتمثل بما يلي: 

  1. صعوبة انسحاب ايران من معاهدة NPT على المدى القريب، لكنها قد تلوّح بذلك كورقة ضغط كلما ازداد التصعيد، وهو ما نراه حالياً.
  2. البرنامج النووي الإيراني سيتحوّل إلى سياسة ردع متكاملة دون الوصول لقنبلة نووية مصرح بها، على غرار سياسة "امتلاك العتبة النووية"، كما تفعل اليابان.
  3. ستزداد شدة المراوغة التقنية والسياسية من خلال المعرفة النووية، وتخصيب اليورانيوم بمستويات مرتفعة، مع الحفاظ على نافذة دبلوماسية ضيقة.
  4. ردع إسرائيل يكون من خلال توازن القوة الإقليمية، لا بالضرورة عبر الانسحاب من المعاهدة، بل بالجمع بين النفوذ الصاروخي والدفاعي والنووي غير المعلن.

 

الاحتمالات الممكنة والتخوّف من النهايات المفتوحة 

بالعودة إلى المواقف الدولية من العدوان؛ وبينما عبّرت روسيا والصين عن قلقهما من الخطوة الأميركية، انقسم الغرب بين من عدّ الضربة تقويضاً للجهود الدبلوماسية، ومن رأى فيها إخفاقاً استراتيجياً سيسرّع انزلاق المنطقة نحو حرب مفتوحة. الأسواق العالمية سجلت ارتفاعاً فورياً بأسعار النفط تجاوز 12%، وتخوّف المستثمرون من انسداد خطوط الملاحة في مضيق هرمز.

وفي الخلاصة:

  1. الضربات الأميركية والإسرائيلية فجّرت الجمرة، لكنها لم تحسم بقدر ما جمدت التفاوض، وأعلنت نهاية النمط السلمي للنقاش النووي.
  2. إيران اليوم أمام مفترق استراتيجي: بين التصعيد المدروس، الذي يحافظ على هامش تفاوضي، والخيار النووي الفوضوي، الذي يضع النظام الدولي بأكمله على المحك.
  3. انسحاب إيران من NPT ليس خياراً بعيداً، بل هو تهديد جاد يدفع العالم لفحص جديد لمعادلة الأمن النووي في الشرق الأوسط.
  4. المفتاح الآن يكمن في القدرة الغربية، والأمريكية تحديداً، على استيعاب الضربة، وإعادة سيطرة على الديناميكية من خلال بدائل تفاوضية.

بناء على ما تقدّم يُطرح السؤال الآتي: عصر ما بعد نطنز وفوردو دخل فعلياً، والجميع في مراقبة دقيقة: هل تنتهي الحرب هنا؟ أم تنطلق أوسع من أي وقت مضى؟

Explide
Drag